«في الجب» قصة قصيرة للأديب خالد الطبلاوي

«في الجب» قصة قصيرة للأديب خالد الطبلاوي
«في الجب» قصة قصيرة للأديب خالد الطبلاوي

الملامح الحادَّة نفسها، والوجوه الجامدة التي ألقتني بلا حبلٍ؛ عسى أن يبلغوا المراد، كان كبيرُهم كصَغيرهم عَزمًا ومكرًا، فَراغُ الجُبِّ تملؤه رائحةُ العفن لأجسادٍ بليت من قبلي، إلاَّ أنَّها مِسْكِيَّة في أنفي، نتوءات الجب تغرز في ظهري آلامَ الطَّعْن الرَّهيبة، مَهْدُ قدميَّ المدبب أقسى منَ السُّقوط في الحامض الناري، ولكنَّه يُحافظ على الحياة.

فما الذي عاد بهم في زيِّهم العَصْري العجيب؟!

• لَم يَزَلْ حَيًّا بعد عشرات القرون؟!

• نعم؛ ولذا أرى ألاَّ نُدلي الدِّلاَء.

• والزيت والماء؟!

• فقدهما خيرٌ من حياته.

• بقاؤه هنا يذيقه الويل، ولكن لن يفتنه، وبيعه رقيقًا يُعَرِّضه للفتنة.

• أخواتك قادمات، ولكلٍّ مِنَّا دوره.

اختلفوا وتدابروا، ثم انصرفوا بعدما ألقوا في الجبِّ حجارةً تكفي لقَتْلِ تنين، غرقت كلها في عُمْقِ الجب.

الوجوه نفسها تُطِلُّ متأنثة، أنصاف أجسادٍ عارية إلاَّ من أشرطةٍ رفيعةٍ لا تُغني، عليها شارات العولمة، وصل إليَّ أطرافُ فَحِيحهن:

• أهو هو؟

• نعم؛ لتنزل إحداكن لإغوائه.

• أتظنين أنَّ به رَمَقًا؟! وإن نزلت إحدانا، أتستطيع أن تفكر في شيءٍ غير الموت؟!

• إذًا عليكن بالكلاليب والخطاطيف، ثم نعيده ونغويه هنا في الخيمة.

احتضنتُ النتوءات الخنجرية والآلات تعمل في ظهري حتى جرَّدَتْه، ثم سقطتُ في الحمض الناري، فنِلْن من لحم بطني وصدري ما نلن قبل أن يقضي الحمضُ على ما تبقى لأتهيكل.

جمعن لحمي في الخيمة، وحاولن بكلِّ أدوات الاستنساخ إخراجَ كائنٍ آخر يَخضع لَهن، فلم تفلح التَّجَارب، رَمَيْنَ مُخلفات فشلهن بالطّسْت في الطريق؛ لتأكل منه الكلاب ما تبقى من النسور والضباع.